"قضيت الليلة كلها وأنا مش قادرة أنام، مخي مليان أسئلة وشكوك. مين الراجل ده؟ وليه بيظهر ويختفي كده؟ والظرف اللي لقيته ده.. ’استني‘! استني إيه ومين؟
تاني يوم الصبح، قررت أعمل نفسي مش شايفة حاجة، ورحت المحل زي ما بعمل كل يوم، لكن قلبي كان مليان قلق. طول اليوم وأنا ببص حواليّا، حاسة إني مترقبة. في نفس اليوم ده، قبل ما أقفل المحل بشوية، ظهر الراجل الغريب تاني، لكن المرة دي ما اكتفاش إنه يقف بعيد.. قرب لحد ما وقف قدامي مباشرةً.
بصيت له بترقب، لكن كان عندي نوع من الفضول إني أعرف هو مين وعايز إيه. أول ما وصلني، اتكلم بصوت هادي وقال: ’أنا محتاج أتكلم معاكي يا مدام ليلى، الموضوع مهم وضروري إنك تعرفيه.‘
الكلام كان غريب وملخبط، بس لسبب ما حسيت إني لازم أسمعه. أخدني على جنب، وبدأ يحكي لي عن حاجات من الماضي، حاجات أنا مكنتش فاكرة عنها حاجة خالص. اكتشفت إنه كان صديق قديم لأبويا الله يرحمه، وجاي يوصلني حاجة تخصه. أول ما قال الكلمتين دول، حسيت قلبي اتقبض، لأني فاكرة أبويا كان دايمًا يخبي حاجة عننا ويقول ’يوم ما تمشي يا ليلى هتعرفي كل حاجة‘.
الراجل ده طلع معاه صندوق صغير، قال لي أبويا سابهولي أمانة عشان أوصله ليكي بعد رحيله. مسكت الصندوق بإيدين بترتعش، وقلبي بيتسارع وأنا بفتحه. كان فيه جوابات قديمة، صور وحاجات كنت فاكرة إنها ضاعت من زمان. كل جواب كان مكتوب بحب وتقدير، بيحكي لي قصص عن حياتنا وعن ضحياته اللي عملها عشانا.
وأنا بقلب في الجوابات، دموعي بدأت تنزل من غير ما أحس. كل ورقة كانت بتكشف لي قد إيه أبويا تعب عشاننا وساب لنا ذكريات تفضل معانا حتى بعد ما رحل. ساعتها حسيت إني لقيت جزء من روحي اللي كان ضايع، وقررت إن الذكريات دي تكون دليل ليا، وتفضل ذكرى جميلة لكل الأيام اللي جت واللي جاية.
دي كانت أمانة أبويا اللي سابها لي، وسبحان الله، الحياة كانت مستنية اللحظة دي عشان ترجع لي الحاجات اللي افتقدتها في كل لحظة.
بعد ما رجعت البيت في اليوم ده، قعدت مع أولادي وحكيت لهم عن أبويا وعن الصندوق اللي سابه لي. ولأول مرة من سنين، حسيت إني مش لوحدي، وإن كل ذكريات أبويا وأمانته ليا بقت جزء من حياتي وحياة ولادي كمان.
كل يوم كنت أفتح الصندوق وأبص على الجوابات والصور، وكل ورقة كانت بتديني درس جديد، وحكمة جديدة من حكمة أبويا اللي مكنتش عارفاها وأنا صغيرة. كنت دايمًا بحس إني محتاجة الدعم ده، وكأن أبويا بيكلمني من بعيد وبيقول لي "أنا لسه معاكي، حتى لو مش موجود."
بعدها بشهور، قررت أسيب المحل وأفتح مشروع صغير من البيت، حاجة أحبها وتكون قريبة لقلبي، عشان أعيش وأربي ولادي بكرامة زي ما أبويا كان عايز. وكل يوم وأنا بشتغل، أحط صورته قدامي، وأبتسم وأنا شايفة ملامحه اللي كانت دومًا بتديني القوة والصبر.
عرفت وقتها إن أبويا سابلي أكتر من أمانة، سابلي إرث من الحب والصبر اللي هيفضل معايا طول العمر. وبقيت أقول لأولادي كل ليلة: ’الإنسان اللي بيعيش بكرامة ويضحي عشانا، حتى لو مش موجود، هيفضل دايمًا معانا بروحه وذكراه.‘
دي كانت نهاية القصة، لكنها بداية حياة جديدة مليانة حب وعزيمة، أعيشها عشان أكون على قد الأمانة اللي سابها لي أبويا، وعلى قد الحلم اللي دايمًا كان شايفه فيا."